أبو عبيدة عامر بن الجراح

ولد أبو عبيدة بن الجراح بمكة في بيت شريف من بيوت قريش. اسمه عامر بن عبد الله بن الجراح وكنيته أبو عبيدة.
كان أبو عبيدة نحيل الجسم، طويل القامة، بهي الطلعة، وضيء الوجه، شديد التواضع، كثير الحياء، وكان من أشجع الناس عند الشدائد، يحبه كل من رآه ويرتاح إليه قلب كل من شاهده
.
سبقه للإسلام
:
كان أبو عبيدة رضي الله عنه من السابقين الأولين إلى الإسلام، فقد أسلم بعد إسلام أبي بكر الصديق رضي الله عنه بيوم واحد، أسلم هو وعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن مظعون والأرقم بن أبي الأرقم على يدي الصديق رضي الله عنه، وقدم بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلنوا الشهادة بين يديه
.
شهد أبو عبيدة المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقَتَل أباه الذي كان في جيش المشركين يوم بدر ونزل في حقه قرآن يتلى
:" لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " (المجادلة:22)
القوي الأمين
:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميه القوي الأمين، فقد جاء وفد من النصارى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له
: يا أبا القاسم ابعث معنا رجلا من أصحابك ترضاه لنا ليحكم بيننا في أشياء من أموالنا اختلفنا فيها، فإنكم عندنا معشر المسلمين مرضيون. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ائتوني العشية أبعث معكم القوي الأمين.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه
: فرحت إلى صلاة الظهر مبكرًا، وإني ما أحببت الإمارة حبي إياها يومئذ رجاء أن أكون صاحب هذا النعت، فلما صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، جعل ينظر عن يمينه وعن يساره، فجعلت أتطاول له ليراني، فلم يزل يقلب بصره فينا حتى رأى أبا عبيدة بن الجراح، فدعاه فقال: اخرج معهم فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه. فقلت: ذهب بها أبو عبيدة.
موقفه يوم السقيفة
:
لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال عمر بن الخطاب لأبي عبيدة يوم السقيفة
: " ابسط يدك أبايعك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن لكل قوم أمينًا، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة" . فقال أبو عبيدة: ما كنت لأتقدم بين يدي رجل أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤمنا في الصلاة فأمنا حتى مات.
جهاده
:
شارك أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه في الفتوحات الإسلامية وكان له الدور الأكبر فيها، وانطلق رضي الله عنه يقود الجيوش في بلاد الشام منتصرًا حتى فتح الله على يديه بلاد الشام كلها
.
ولما وقع الطاعون في تلك البلاد أرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إليه يستدعيه فاعتذر أبو عبيده إليه في رسالة قال فيها
: " يا أمير المؤمنين إني قد عرفت حاجتك إلي، وإني في جند من المسلمين، ولا أجد بنفسي رغبة عن الذي يصيبهم، ولا أريد فراقهم حتى يقضي الله فيَّ وفيهم أمره، فإذا أتاك كتابي هذا فحللني من عزمك وائذن لي بالبقاء " فلما قرأ عمر رضي الله عنه الكتاب بكى، فقال الحاضرون: أمات أبو عبيدة؟ قال: لا، ولكن الموت منه قريب.
مناقبه
:
خطب معاذ بن جبل رضي الله عنه في الناس بعد موت أبي عبيدة رضي الله عنه فقال
: " أيها الناس إنكم قد فجعتم برجل ، والله ما أعلم أني رأيت رجلا أبر صدرًا ولا أبعد غائلة ولا أشد حبًا للعاقبة، ولا أنصح للعامة منه، فترحموا عليه يرحمكم الله " .
وفاته
:
لما أوشك أبو عبيدة رضي الله عنه على الموت وحضرته الوفاة أوصى جنده بقوله
:
" إني موصيكم بوصية إن قبلتموها لن تزالوا بخير: أقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وصوموا شهر رمضان، وتصدقوا، وحجوا واعتمروا، وتواصوا، وانصحوا لأمرائكم ولا تغشوهم، ولا تلهكم الدنيا، فإن المرء لو عمر ألف حول ما كان له بد من أن يصير إلى مصرعي هذا الذي ترون، إن الله كتب الموت على بني آدم فهم ميتون وأكيسهم أطوعهم لربه، وأعملهم ليوم معاده ... والسلام عليكم ورحمة الله " .
ثم نظر إلى معاذ بن جبل رضي الله عنه وقال
: يا معاذ صل بالناس. ثم مات رضي الله عنه. حيث عم بلاد الشام سنة 18 طاعون عمواس الذي, وفي الوقت الذي كان يعاني سكرات الموت , اوصى المسلمين بوصية, ما أجدرنا بالوقوف عندها في وقتنا الحاضر , قال رضي الله عنه:

"أني موصيكم بوصية غن فعلتموها لن تزالو بخير, أقيمو الصلاة, وآتو الزكاة, وصوموا شهر رمضان, وتصدقوا وحجوا وأعتمروا وانصحوا لإمرائكم ولاتفشوهم, ولاتلهكم الدنيا, فإن أمرؤ ألوا غمر حول ماكان له يد من ان يصير الى مصرعي هنا الذي ترون".

معركة اليرموك
في أثناء قيادة خالد رضي الله عنه معركة اليرموك التي هزمت فيها الإمبراطورية الرومانية توفي أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وتولى الخلافة بعده عمر رضي الله عنه ، وقد ولى عمر قيادة جيش اليرموك لأبي عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة وعزل خالد وصل الخطاب الى أبى عبيدة فأخفاه حتى انتهت المعركة ، ثم أخبر خالدا بالأمر ، فسأله خالد
:" يرحمك الله أبا عبيدة ، ما منعك أن تخبرني حين جاءك الكتاب ؟" فأجاب أبو عبيدة :"اني كرهت أن أكسر عليك حربك ، وما سلطان الدنيا نريد ، ولا للدنيا نعمل ، كلنا في الله أخوة " وأصبح أبو عبيدة أمير الأمراء بالشام
تواضعه
ترامى الى سمعه أحاديث الناس في الشام عنه ، وانبهارهم بأمير الأمراء ، فجمعهم وخطب فيهم قائلا :" يا أيها الناس ، اني مسلم من قريش ، وما منكم من أحد أحمر ولا أسود ، يفضلني بتقوى الا وددت أني في أهابه !!"
وعندما زار أمير المؤمنين عمر الشام سأل عن أخيه ، فقالوا له
: من ؟ قال :" أبوعبيدة بن الجراح " وأتى أبو عبيدة وعانقه أمير المؤمنين ثم صحبه الى داره ، فلم يجد فيها من الأثاث شيئا ، الا سيفه وترسه ورحله ، فسأله عمر وهو يبتسم :" ألا اتخذت لنفسك مثلما يصنع الناس ؟" فأجاب أبو عبيدة :" يا أمير المؤمنين ، هذا يبلغني المقيل "
مقام أبو عبيدة عامر بن الجراح:-

 مزار ابي عبيدة : يقع في " غو البلاونة " على الطريق العام الذي يقطع الغور من الشمال الى الجنوب وعلى بعد اربعين كيلو مترا من السلط وكان الظاهر بيبرس قد بني على قبر ابي عبيدة مشهدا واوقف عليه وقفا ريعه لمؤذن المقام وامامه.

وكان المسجد القديم يتكون من مئذنة شامخة وقبة للمسجد, حيث كانت هناك لوحة رخامية مثبتة على السور الخارجي من الجهة الغربية مكتوب عليها "أمر بانشاء هذه القبة المباركة على ضريح امين الأمة, ابوعبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه, مولانا السلطان الأعظم سيد ملوك العرب والعجم, ركن الدنيا والدين سطان الأسلام والمسلمين ابو الفتح بيبرس بن عبدالله قسيم, أمير المؤمنين خلد الله ملكه, أبتغاء مرضاة الله ورسوله, بما وفقه الله, وحبه نصف دير جعل وتونين من حمص من عمل حصن الاكراد المحروس تجيشا مؤبداً دائما أثاب الله واقفه بجوده وكرمه, يوم يجزي الله المتصدقين, والله لا يضيع أجر المحسنين, وذلك بنظر الأمير الأغزل الاجل الكبير نسله ناصرالدين الجامنلكي الظاهر السعدي, نائب مملكة عجلون المحروسة في ذي الحجة سنة 657هـ".

 وزار مقام ابي عبيدة الرحالة ابن بطوطة في عام 725 هـ : 1324 م وذكره في رحلته ( ص 61) بقوله " فمررت الغور وهو واد بين تلال به قبر ابي عبيدة بن الجراح امين هذه الارض رضي الله عنه زرناه وعليه زاوية فيها الطعام لابناء السبيل وبتنا هناك ليلة" قال صاحب الانس الجليل: " قبر ابو عبيدة في قرية يقال لها " عمتا " تحت جبل عجلون بين فقارس والعادلية بزاوية دير علا"

وقيل ان عمر بن الخطاب صرّ اربعمائة دينار وقال لغلامه "اذهب الى ابي عبيدة بن الجراح ثم تربص عنده في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع بها " فتوجه الغلام الى بيت ابي عبيدة وقال له : "يقول لك امير المؤمنين عمر : اجعل هذه في بعض حوائجك فقال : وصله الله ورحمه واسبغ عليه النعم ثم دعا بجاريته وقال لها : اذهبي بهذه السبعة الى فلان وبهذه الخمسة الى فلان حتى انفذها فرجع الغلام الى عمر واخبره فوجده قد عد مثلها لمعاذ ابن جبل وقال له انطلق بها الى معاذ بن جبل وانظر ما يكون من امره فمضى اليه وقال له كما قال لابي عبيدة ففعل معاذ كما فعل ابو عبيدة ورجع الغلام الى عمر وحدثه بما راى فقال عمر : انهم اخوة بعضهم من بعض"

هذا هو أبوعبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه الذي يجاورونا مقامه وضريحه الشريف, وليس بعيدا عنه مقام الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه وضرار بن الازور رضي الله عنه, وهم صحابة أجلاء جاسوا هذه الأرض التي نعيش عليها الأن, اللهم صلي وسلم على سيدنا محمد وعلى آله واصحابه وسلم تسليما كثيرا, وأحشرنا معهم يارب العالمين.

تابع الصور