زيد بن حارثة يفرح بالعبودية

عندما يغادر المرء أهله وعشيرته وموطنه الذي درج فيه فإنه لا يزال يحنُ إليه ، ويشتاق إلى والده الذي رباه وأمه التي حنت عليه ، وعشيرته التي عاش في أكنافها ، وتراب أرضه الذي ترعرع فيه فإذا تيسر له الرجوع إلى ذلك كله فغالب نفسه وتمسك بإرث جديد ، وتمسك بديار غير دياره ، وأهل غير أهله ، فإن في ذلك عجباً.

ومن هؤلاء الذين كان أمرهم عجباً زيد بن حارثة ، فقد اختطفه بعض العرب من أهله صغيراً في أحد الحروب التي كانت تقوم بين القبائل ، وباعه مختطفوه في سوق عكاظ ، واشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد بأربعمائة درهم ، ووهبته رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد زواجه منها

وعرف والده وعمه بمكانه ، فرجا إلى مكة يطلبان فداءه وسألا عن مكان الرسول صلى الله عليه وسلم ، حتى عرفاه ، فجاءه فقالا : يا ابن عبد المطلب ، يا ابن سيد قومه ، أنتم أهل حرم الله ، تفكون العاني ، وتطعمون الأسير ، جئناك في ولدنا عبدك فامنن علينا ، وأحسن فدائه ، فإنا سنرفع لك

قال : وما ذاك ؟

قالو : زيد ابن حارثة

فقال صلى الله عليه وسلم : أو غير ذلك ، أدعوه فخيروه ، فإن أختاركم فهو لكم بغير فداء ، وإن اختارني ، فو الله ما أنا بالذي على من اختارني فداء

ما أروع هذا الرد الرائع من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، هذا الرد الذي ليس فيه أي إجحاف أو تنقيص ، وقد يظن ظان أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يحب زيداً بن حارثة، لكنه لم يعلم مدى حب الرسول صلى الله عليه وسلم لزيد حتى سمي  حِبُ رسول الله، عندها فرح ابى زيد فرحا شديدا بهذا الرد واستدعى الرسول صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة فاخبره بما حدث.

فقال زيد : نعم هذا أبي وهذا عمي

فقال له صلى الله عليه وسلم : فاختار ما تريد صحبتي أو ذهابك مع أبيك

وبلا تردد ولا أعمال فكر ونظر أجاب: ما أنا بالذي اختار عليك، أنت الأب وأنت العم فاستغرب العم والأب من هذا الموقف فقالا : ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية ، وعلى أبيك وأهل بيتك.

قال : نعم ، أني قدر رأيت من هذا الرجل شيئاً ما أنا بالذي اختار عليه أحدا. عندها : فاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واخذ زيد وذهب إلى الكعبة

وقال : اشهدوا إن زيداً ابني يرثني وارثه

فلما رأى أبوه وعمه ذلك طابت وارتاحت نفسهما وانصرفا

وظل زيد يسمى زيد بن محمد

إلى أن جاء الإسلام وأبطل التبني ، وأصبح زيد يسمى زيد بن حارثة