مارية القبطية

هي مارية بنت شمعون القبطية، ولدت في بلدة جفن بصعيد مصر. أمها نصرانية رومية. انتقلت مارية مع أختها سيرين (وقيل شيرين) إلى قصر المقوقس عظيم القبط في مطلع شبابها الباكر. وعندما بعث النبي صلى الله عليه وسلم برسالة إلى المقوقس ملك مصر، مع حاطب بن أبي بلتعة قرأ المقوقس الكتاب في عناية وتوقير، ثم التفت إلى (حاطب) وأخذ يسأله عن النبي صلى الله عليه وسلم وأوصافه.. لم يعلن المقوقس إسلامه، خوفا على ضياع ملكه.

هدية المقوقس

لما كانت سنة ست من الهجرة بعد ان رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية بعث رسالة مع حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ملك مصر. وذكر أن المقوقس لما أتاه الكتاب ضمه إلى صدره وقال هذا زمان يخرج فيه النبي الذي نجد نعته في كتاب الله وإنا نجد من نعمته أنه لا يجمع بين أختين وأنه يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة وأن جلساءه المساكين ثم دعا رجلا عاقلا فلم يجد بمصر أحسن ولا أجمل من مارية وأختها سيرين فبعث بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث مع حاطب بن أبي بلتعة عبد خصي يقال له مابور، وألف مثقال ذهبا وعشرين ثوبا، وبعث ببغلته الشهباء (دلدل) وحماره عفير، وبعسل من بنها، وببعض العود والمسك.

وبعث بذلك كله مع حاطب بن أبي بلتعة فعرض حاطب بن أبي بلتعة على مارية الإسلام ورغبها فيه فأسلمت وأسلمت أختها سيرين ولما وصل المدينة قدم الأختين والدابتين والعسل والثياب وأعلمه أن ذلك كله هدية فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدية ولما نظر إلى مارية وأختها أعجبتاه وكره أن يجمع بينهما فوهب أختها سيرين لحسان بن ثابت، فولدت له عبد الرحمن بن حسان.

 وكانت مارية بيضاء جميلة  فأنزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم في العالية في المال الذي صار يقال له سرية أم إبراهيم وكان يختلف إليها هناك وكان يطؤها بملك اليمين وضرب عليها مع ذلك الحجاب فحملت منه ووضعت هناك في ذي الحجة سنة ثمان للهجرة.

قالت عائشة رضي الله عنها: "ما غرت على امرأة إلا دون ما غرت على مارية، وذلك أنها كانت جميلة جعدة، فأعجب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أنزلها أول ما قدم بها في بيت الحارثة بن النعمان الأنصاري، فكانت جارتنا، فكان عامة الليل والنهار عندها. فجزعت فحولها إلى العالية . وكان يختلف إليها هناك، فكان ذلك أشد علينا، ثم رزقها الله الولد وحرمناه منه".

كتاب المقوقس للرسول

أخذ المقوقس كتاب النبيr وختم عليه، وكتب إلى النبي:

" بسم الله الرحمن الرحيم
لمحمد بن عبد الله، من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك، أما بعد
فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبياً بقي،
وكنت أظن أنه سيخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين لهما
مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديتُ إليك بغلة لتركبها والسلام عليك".

أم ابراهيم

 في السنة الثامنة من الهجرة فى شهر ذي الحجة ولد إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم من مارية القبطية وقد سماه الرسول صلى الله عليه وسلم، إبراهيم، تيمناً بأبيه إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام، فاشتدت غيره أمهات المؤمنين منها حين رزقت ولداً ذكراً، وكانت قابلتها فيه سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعاش إبراهيم ابن الرسول صلى الله عليه وسلم سنة وبضع شهور يحظى برعاية رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه مرض قبل أن يكمل عامه الثاني، وذات يوم اشتد مرضه، ومات إبراهيم وهو ابن ثمانية عشر شهراً، وانطفأت جذوة الحياة فيه، فحمله علي بن أبي طالب وجعله بين يديه على الفرس. ثم جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسله وكفنه وخرج به وخرج الناس معه فدفنه في الزقاق الذي يلي دار محمد بن زيد. فحمله النبي صلى الله عليه وسلم ووضعه في حجره، كانت وفاة إبراهيم في شهر ربيع الأول سنة عشر في بني مازن، وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنه في البقيع. وحزنت مارية حزناً شديداً على موت إبراهيم. وبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبكى المسلمون حوله حتى ارتفع الصوت. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

تدمع العين ويحزن القلب

ولا نقول ما يغضب الرب

وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ ، عن عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ ، عن سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: رَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ ابْنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَاهُ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، فرَأَيْتُهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَكِيدُ بِنَفْسِهِ، فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلا نَقُولُ إِلا مَا يُرْضِي رَبَّنَا، وَإِنَّا بِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ "(حديث مرفوع) .

الافك الجديد

ما وجد المنافقون رسول الله صلى الله عليه و سلم يحب ويكرم احدى نسائه حتى سارعوا بالتقول عليها ظلماً وحقداً كما حدث مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فلما وجد المنافقون حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم ابراهيم روجوا لحديث افك جديد واتهموها ظلماً وعدواناً مع العبد الذي ارسله المقوقس معها في الهدية وكان هذا الحديث شديد الوطأة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتخل الله تعالى عن السيدة ماريا رضي الله عنها بل اتاح لها دليلاً قاطعاً على برائتها فقد فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى العبد فرآه مجبوباً ليس له ذكر فعاد رسول الله فقال : انه لمجبوب وقال صلى الله عليه وسلم : الحمد لله الذي يصرف عنا أهل البيت.

مكانة مارية في القرآن الكريم

لمارية رضي الله عنها شأن كبير في الآيات المباركة وفي أحداث السيرة النبوية. "أنزل الله عز وجل صدر سورة التحريم بسبب مارية القبطية

"يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِى مَرْضَاتَ أَزْوَ‌ٰجِكَ ۚ وَٱللَّهُ غَفُورٌۭ رَّحِيمٌۭ ﴿1﴾ قَدْ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَـٰنِكُمْ ۚ وَٱللَّهُ مَوْلَىٰكُمْ ۖ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ ﴿2﴾ وَإِذْ أَسَرَّ ٱلنَّبِىُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَ‌ٰجِهِۦ حَدِيثًۭا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِۦ وَأَظْهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُۥ وَأَعْرَضَ عَنۢ بَعْضٍۢ ۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِۦ قَالَتْ مَنْ أَنۢبَأَكَ هَـٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِىَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْخَبِيرُ ﴿3﴾ إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ وَإِن تَظَـٰهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوْلَىٰهُ وَجِبْرِيلُ وَصَـٰلِحُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ۖ وَٱلْمَلَـٰٓئِكَةُ بَعْدَ ذَ‌ٰلِكَ ظَهِيرٌ ﴿4﴾ عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُۥٓ أَزْوَ‌ٰجًا خَيْرًۭا مِّنكُنَّ مُسْلِمَـٰتٍۢ مُّؤْمِنَـٰتٍۢ قَـٰنِتَـٰتٍۢ تَـٰٓئِبَـٰتٍ عَـٰبِدَ‌ٰتٍۢ سَـٰٓئِحَـٰتٍۢ ثَيِّبَـٰتٍۢ وَأَبْكَارًۭا ﴿5﴾"

وقد أوردها العلماء والفقهاء والمحدثون والمفسرون في أحاديثهم وتصانيفهم". وقد توفي الرسول عنها وهو راض عن مارية، التي تشرفت بالبيت النبوي الطاهر، وعدت من أهله، وكانت مارية شديدة الحرص على اكتساب مرضاة الرسول صلى الله علية وسلم، كما عرفت بدينها وورعها وعبادتها.

فضلها العظيم رضي الله عنها على شعب مصر

وإكراماً للسيدة ماريا رضي الله عنها وابنها ابراهيم عليه السلام قفد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين خيرا بشعب مصر فقال صلى الله عليه وسلم: انكم ستفتحون ارضاً يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا فان لهم ذمة ورحما (صحيح مسلم).  

وفاتها

عاشت مارية ما يقارب الخمس سنوات في ظلال الخلافة الراشدة، وتوفيت في السنة السادسة عشر من محرم. دعا عمر الناس وجمعهم للصلاة عليها. فاجتمع عدد كبير من الصحابة من الهاجرين والأنصار ليشهدوا جنازة مارية القبطية، وصلى عليها سيدنا عمر رضي الله عنه في البقيع، ودفنت إلى جانب نساء أهل البيت النبوي، وإلى جانب ابنها إبراهيم. كان أبو بكر ينفق على مارية حتى مات ثم عمر حتى توفيت في خلافته.

وبعد فتح مصر سنة عشرين من الهجرة اهتم الصحابي الجليل عبادة بن الصامت بالبحث عن القرية التي ولدت بها السيدة مارية، وبنى بها مسجدًا، وتعرف الآن ببلدة الشيخ عبادة.